سورة الانشقاق - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الانشقاق)


        


هذه أوصاف يوم القيامة، وانشقاق السماء: هو تفطيرها لهول يوم القيامة، كما قال: {وانشقت السماء فهي يومئذ واهية} [الحاقة: 16]، وقال الفراء والزجاج وغيره: هو تشققها بالغمام، وقال قوم: تشققها تفتيحها أبواباً لنزول الملائكة وصعودهم في هول يوم القيامة، وقرأ أبو عمرو: {انشقت} يقف على التاء كأنه يشمها شيئاً من الجر، وكذلك في أخواتها، قال أبو حاتم: سمعت إعراباً فصيحاً في بلاد قيس بكسر هذه التاءات، وهي لغة، {وأذنت} معناه: استمتعت، وسمعت، أي أمره ونهيه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن»، ومنه قول الشاعر [قعنب بن أم صاحب]: [البسيط]
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به *** وإن ذُكِرْتُ بشرٍّ عندهم أذنوا
وقوله تعالى: {وحقت}، قال ابن عباس وابن جبير معناه: وحق لها أن تسمع وتطيع، ويحتمل أن يريد: وحق لها أن تنشق لشدة الهول وخوف الله تعالى، ومد الأرض: هو إزالة جبالها حتى لا يبقى فيها عوج ولا أمت فذلك مدها، وفي الحديث: «إن الله تعالى يمد الأرض يوم القيامة مد الأديم العكاظي» {وألقت ما فيها}: يريد الموتى قاله الجمهور، وقال الزجاج: ومن الكنوز، وهذا ضعيف لأن ذلك يكون وقت خروج الدجال، وإنما تلقي يوم القيامة الموتى، {وتخلت} معناه: خلت عما كان فيها أي لم تتمسك منهم بشيء، وقوله تعالى: {يا أيها الإنسان} مخاطبة للجنس، والكادح: العامل بشدة وسرعة واجتهاد مؤثر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله ما يغنيه حاءت مسألته خدوشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة» والمعنى أنك عامل خيراً أو شراً وأنت لا محالة في ذلك سائر إلى ربك، لأن الزمن يطير بعمر الإنسان، فإنما هو مدة عمره في سير حثيث إلى ربه، وهذه آية وعظ وتذكير، أي فكر على حذر من هذه الحال واعمل عملاً صالحاً تجده، وقرأ طلحة: بإدغام كاف كادح ومن هذه اللفظة قول الشاعر: [الوافر]
وما الإنسان إلا ذو اغترار *** طوال الدهر يكدح في سفال
وقال قتادة: من استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل، وقوله تعالى: {فملاقيه} معناه: فملاقي عذابه أو تنعيمه، واختلف النحاة في العامل: في {إذا}، فقال بعض النحاة العامل: {انشقت} وأبى ذلك كثير من أئمتهم، لأن {إذا}: مضافة إلى {انشقت} ومن يجز ذلك تضعف عنده الإضافة، وأبى ذلك كثير من أئمتهم، لأن {إذا} مضافة إلى {انشقت} ومن يجز ذلك يضعف عنده الإضافة، ويقوى معنى الجزاء، وقال آخرون منهم: العامل {فملاقيه}، وقال بعض حذاقهم: العامل فعل مضمر، وكذلك اختلفوا في جواب {إذا}، فقال كثير من النحاة: هو محذوف لعلم السامع به، وقال أبو العباس المبرد والأخفش: هو في قوله: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}، إذا انشقت السماء، انشقت فأنت ملاقي الله، وقيل التقدير في أيها الإنسان، وجواب {إذا} في الفاء المقدرة، وقال الفراء عن بعض النحاة: هو {أذنت} على زيادة تقدير الواو، وأما الضمير {فملاقيه}، فقال جمهور المتأولين هو عائد على الرب، فالفاء على هذا عاطفة ملاق على كادح، وقال بعض الناس: هو عائد على الكدح، فالفاء على هذا عاطفة جملة على التي قبلها، والتقدير فأنت ملاقيه، والمعنى ملاقي جزائه خيراً كان أو شراً، ثم قسم تعالى الناس إلى: المؤمن والكافر، فالمؤمنون يعطون كتبهم بأيمانهم ومن ينفذ عليه الوعيد من عصاتهم فإنه يعطى كتابه عند خروجه من النار، وقد جوز قوم أن يعطاه أولاً قبل دخوله النار، وهذه الآية ترد على هذا القول، والحساب اليسير: هو العرض: وأما من نوقش الحساب، فإنه يهلك ويعذب، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حوسب عذب» فقالت عائشة: ألم يقل الله {فسوف يحاسب حساباً يسيراً} الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا ذلك العرض، وأما من نوقش الحساب فيهلك» وفي الحديث من طريق ابن عمر: «إن الله تعالى يدني العبد حتى يضع عليه كنفه، فيقول: ألم أفعل بك كذا وكذا يعدد عليه نعمه ثم يقول له: فلم فعلت كذا وكذا لمعاصيه، فيقف العبد حزيناً فيقول الله تعالى: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم» وقالت عائشة: سمعت رسول النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم حاسبني حساباً يسيراً» قلت يا رسول الله، وما هو؟ فقال: «أن يتجاوز عن السيئات» وروي عن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حاسب نفسه في الدنيا، هون الله تعالى حسابه يوم القيامة»، وقوله تعالى: {إلى أهله} أي الذين أعد الله له في الجنة، إما من نساء الدنيا، وإما من الحور العين وإما من الجميع، والكافر يؤتى كتابه من ورائه لأن يديه مغلولتان، وروي أن يده تدخل من صدره حتى تخرج من وراء ظهره، فيأخذ كتابه بها، ويقال إن هاتين الآيتين نزلتا في أبي سلمة بن عبد الأسد، وكان أبو سلمة من أفضل المؤمنين، وأخوه من عتاة الكافرين، {ويدعو ثبوراً} معناه: يصيح منتحباً، واثبوراه، واخزياه، ونحو هذا مما معناه: هذا وقتك، وزمانك أي احضرني، والثبور، اسم جامع للمكاره كالويل، وقرأ ابن كثير ونافع، وابن عامر والكسائي والحسن وعمر بن عبد العزيز والجحدري وأبو السناء والأعرج: {ويُصلّى} بشد اللام وضم الياء على المبالغة، وقرأ نافع أيضاً وعاصم وأبو عمرو وحمزة وأبو جعفر وقتادة وعيسى وطلحة والأعمش: بفتح الياء على بناء الفعل للفاعل، وفي مصحف ابن مسعود: {وسيصلى}، وقوله تعالى: {في أهله} يريد في الدنيا أي تملكه ذلك لا يدري إلا السرور بأهله دون معرفة الله والمؤمن إن سر بأهله لا حرج عليه، وقوله تعالى: {إنه ظن أن لن يحور}، معناه: لن يرجع إلى الله تعالى مبعوثاً محشوراً، قال ابن عباس: لم أعلم ما معنى {ويحور}، حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها: حوري، أي ارجعي، والظن هنا على بابه، و{أن} وما بعدها تسد مسد مفعولي ظن وهي {أن} المخففة من الثقيلة، والحور: الرجوع على الأدراج، ومنه: اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور. ثم رد تعالى على ظن هذا الكافر بقوله: {بلى}، أي يحور ويرجع، ثم أعلمهم أن الله تعالى لم يزل {بصيراً} بهم لا تخفى عليه أفعال أحد منهم، وفي هذا وعيد.


لا زائدة، والتقدير فأقسم، وقيل: لا راد على أقوال الكفار وابتداء القول {أقسم}، وقسم الله تعالى بمخلوقاته هو على جهة التشريف لها، وتعريضها للعبرة، إذ القسم بها منبه منها و{الشفق}، الحمرة التي تعقب غيبوبة الشمس مع البياض التابع لها في الأغلب، وقيل {الشفق} هنا النهار كله قاله مجاهد، وهذا قول ضعيف، وقال أبو هريرة وعمر بن عبد العزيز: {الشفق}: البياض الذي تتلوه الحمرة، و{وسق}: معناه جمع وضم، ومنه الوسق أي الأصوع المجموعة، والليل يسق الحيوان جملة أي يجمعها في نفسه ويضمها، وكذلك جميع المخلوقات التي في أرض والهواء من البحار والجبال والرياح وغير ذلك، واتساق القمر: كماله وتمامه بدراً، فالمعنى امتلأ من النور، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وابن عباس وعمر بخلاف عنهما، وأبو جعفر والحسن والأعمش وقتادة وابن جبير: {لتركبُن} بضم الباء على مخاطبة الناس، والمعنى {لتركبن} الشدائد: الموت والبعث والحساب حالاً بعد حال أو تكون من النطفة إلى الهرم كما تقول طبقة بعد طبقة و{عن} تجيء في معنى بعد كما يقال: ورث المجد كابراً عن كابر وقيل المعنى {لتركبن} هذه الأحوال أمة بعد أمة، ومنه قول العباس بن عبد المطلب عن النبي عليه السلام:
وأنت لما بعثت أشرقت الأ *** رض وضاءت بنورك الطرق
تنقل من صالب إلى رحم *** إذا مضى علم بدا طبق
أي قرن من الناس لأنه طبق الأرض، وقال الأقرع بن حابس: [البسيط]
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره *** وساقني طبق منه إلى طبق
أي حال بعد حال، وقيل المعنى: {لتركبن} الآخرة بعد الأولى، وقرأ عمر بن الخطاب أيضاً: {ليركبن} على أنهم غيب، والمعنى على نحو ما تقدم، وقال ابو عبيدة ومكحول: المعنى {لتركبن} سنن من قبلكم.
قال القاضي أبو محمد: كما جاء في الحديث: «شبراً بشبر، وذراعاً بذراع»، فهذا هو {طبق عن طبق}، ويلتئم هذا المعنى مع هذه القراءة التي ذكرنا عن عمر بن الخطاب، ويحسن مع القراءة الأولى، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وعمرو بن مسعود ومجاهد والأسود ومجاهد والأسود وابن جبير ومسروق والشعبي وأبو العالية وابن وثاب وعيسى: {لتركبَن}، بفتح الباء على معنى: أنت يا محمد، وقيل المعنى: حال بعد حال من معالجة الكفار، وقال ابن عباس المعنى: سماء بعد سماء في الإسراء، وقيل هي عدة بالنصر، أي {لتركَبن} العرب قبيلاً بعد قبيل، وفتحاً بعد فتح كما كان ووجد بعد ذلك، قال ابن مسعود: المعنى: {لتبركبَن} السماء في أهوال القيامة، حالاً بعد حال تكون كالمهل وكالدهان وتتفطر وتتشقق، فالسماء هي الفاعلة، وقرأ ابن عباس أيضاً وعمر رضي الله عنهما: {ليركبن} بالياء على ذكر الغائب، فإما أن يراد محمد صلى الله عليه وسلم على المعاني التمقدمة، وقاله ابن عباس يعني: نبيكم صلى الله عليه وسلم، وإما ما قال الناس في كتاب النقاش من أن المراد: القمر، لأنه يتغير أحوالاً من سرار واستهلال وإبدار، ثم وقف تعالى نبيه، والمراد أولئك الكفار بقوله: {فما لهم لا يؤمنون}، أي من حجتهم مع هذه البراهين الساطعة، وقرأ الجمهور: {يُكذّبون} بضم الياء وشد الذال، وقرأ الضحاك: بفتح الباء وتخفيف الذال وإسكان الكاف، و{يوعون} معناه: يجمعون من الأعمال والتكذيب والكفر، كأنهم يجعلونها في أوعية، تقول: وعيت العلم وأوعيت المتاع، وجعل البشارة في العذاب لما صرح له، وإذا جاءت مطلقة، فإنما هي من الخبر، ثم استثنى تعالى من كفار قريش القوم الذين كان سبق لهم الإيمان في قضائه، و{ممنون} معناه: مقطوع من قولهم: حبل منين أي مقطوع، ومنه قول الحارث بن حلّزة اليشكري: [الخفيف]
فترى خلفهن من شدة الرجع *** منيناً كأنني أهباء
يريد غباراً متقطعاً، وقال ابن عباس: {ممنون} بمعنى: معدود عليهم محسوب منغص بالمن.